تمهيـد :
التعلم نشاط ضروري للإنسان، فهو يعتمد عليه في حياته واستمرارها وفي تكيفه مع البيئة. ويتخذ مفهوم التعلم دلالات متعددة، ومن ثم يختلف تعريفه من نظرية إلى أخرى ومن بين التعاريف نذكر :
التعلم "ما هو إلا تغيير في السلوك ناتج عن إثارة ما، وهذا التغيير قد يكون نتيجة لأثر منبهات بسيطة وقد يكون نتيجة لمواقف معقدة" « Guilford »
التعلم "عملية تغير شبه دائم في سلوك الفرد ينشأ نتيجة الممارسة ويظهر في تغيير الأداء (Performance) لدى الكائن الحي" « J.F le NY ».
التعلم "عملية اكتساب "Acquisition" لسلوك أو تصرف (معارف، مواقف، حركات، مهارات...)، ويتم هذا الاكتساب في وضعية محددة، ومن خلال تفاعل ما بين الفرد المتعلم والموضوع الخاص بالتعلم".
من خلال التعريف الأخير يمكن القول إن التعلم هو حصيلة التفاعلات القائمة بين عناصر أساسية هي الفرد المتعلم وموضوع التعلم ثم وضعية التعلم.
أ- العنصر الأول أو الفـرد المتعلم :
كل فرد يوجد في وضعية تعلم معينة، يخضع لشروط محددة منها ما يتعلق به كذات، فالفرد المتعلم كذات عبارة عن مجموعة من القدرات والمهارات والاستعدادات النفسية والذهنية والاجتماعية...
ب- العنصر الثاني أو موضوع التعلم :
ويشير إلى كل ما يمكن أن يكتسبه الفرد في وضعية وشروط معينة ويتخذ هذا الموضوع أشكالا وأنواعا مختلفة، كالأفكار والتصورات أو المواقف والحركات والمهارات.
ج- العنصر الثالث أو الوضعية التعليمية :
تشكل هذه الوضعية الإطار أو السياق العام « Contexte » الذي يتم فيه فعل التعلم، وقد تكون هذه الوضعية تلقائية (أثناء اللعب أو أنشطة أخرى) أو وضعية موجهة وقصدية « Intentionnelle » كما هو الشأن بالنسبة للتعلم المنظم داخل القسم.
د- العنصر الرابع نتاج التعلـم :
وهو عبارة عن سلوكات أو تصرفات ظاهرة أو باطنة تأتي على شكل إنجازات « Performances »، تختلف من فرد إلى آخر، وتعكس درجة التعلم التي توصل إليها الفرد. ومن خصائص ناتج التعلم اقتصاد الزمن، والاتسام بدرجة قصوى من الإتقان (عدد أقل من الأخطاء والمحاولات الزائدة).
I- تعريف التعلـم الحركـي :
يقصد بالتعلم الحركي اكتساب أو تطوير حركة أو مركب من الحركات. ويتوقف نجاح هذا التعلم على شروط معينة كالاستعداد الخاص بالتلميذ. ومنها ما يرتبط بالعمليات العقلية، ودرجة التعلم، وتأثير الانفعالات وكمية انتقال أثر التعلم.
لم يهتم السيكولوجيون قديما إلا بما هو ظاهر، حيث أنهم لم يدرسوا غير الجزء المرئي من الحركة بمعنى التنظيم الحركي الخارجي. فوجب انتظار العقود الاخيرة لينصب الاهتمام أكثر على الميكانيزمات المسؤولة عن فعالية الحركة التي تعتبر نتيجة لسلسلة من العمليات الذهنية المتثالية، والتي ستحدد نجاحها وصلاحيتها. لذا يتضح أن الاهتمام فقط بالإنجاز الحركي قد يحجب ماهو أهم من الانجاز في حد ذاته. وتنقسم المهارات الحركية موضوع التعلم إلى نوعين:
مهارات مفتوحة: مجال ممارستها متغير وليس بقار كاستقبال الكرة خلال اللعب في مقابلة للكرة الطائرة (موقع الأصدقاء متغير، كذلك الحال بالنسبة للخصوم والكرة). حيث تكون الاستجابة الحركية المنتظرة بعد التعلم هي استقبال الكرة وإرجاعها إلى منطقة الخصم (التنظيم الحركي الخارجي). بمجرد أن يقذف الخصم الكرة، يستجمع اللاعب المستقبل معلومات حول مسار الكرة واتجاهها وسرعتها ودورانها... هذه المعلومات الملتقطة والمحللة بسرعة ستمكنه من التقدم نحو مسار الكرة (إلى أين سأتجه ؟) وتنفيذ الضربة في الوقت الأمثل (متى سأضرب ؟). وفي وقت وجيز سيختار من بين الضربات الممكنة تلك التي سيكون خلالها في تموضع جيد (كيف سأضرب؟) يسمح له بإرجاع الكرة إلى منطقة الخصم وجعله –إذا كان ممكنا- في وضعية صعبة ( متى وكيف سأهاجم ؟). كل هذه القرارات يجب أن تؤخذ بسرعة. دون إغفال الإجراءات الأخرى التي ستنظم الحركة من الناحية العضلية مثل اختيار القوة والسرعة والدقة. اللاعب هنا يجب أن يتصرف وأن يتكيف بصفة دائمة مع التغيرات التي تحدث في وسط متقلب (milieu fluctuant). كما يجب أن يقرر استراتيجيات ويتخذ قرارات وينفذها ويفيد منها. وهذا يعني أن نجاح الحركة مشروط بالعمليات العقلية المصاحبة لها.
مهارات مغلقة: تزاول في وسط ثابت كمثل الوقوف على اليدين والرأس في حركات الجمباز الأرضية (لا شيء يتحرك عدا المتعلم نفسه). في هذه الحالة تكون الاستجابة الحركية المنتظرة هي وقوف المتعلم متزنا على اليدين والرأس. يركز اللاعب نشاطه الذهني على المعلومات الصادرة من جسمه في علاقته مع الفضاء والأشياء المحسوسة كعدة الرياضة والإيقاع... هذه الأحاسيس الداخلية « Rétroactions proprioceptives» تقدم للممارس معلومات حول وضعية الجسم في الفضاء وقوة الحركة وسرعتها واتجاهها... وتمكنه أيضا من مقارنة النتيجة بالمشروع الأولي (النموذج الذهني والحركة المثالية المنشودة) وتصحيح الحركة الخاطئة وكذا ربط الحركة بالحلقة الحركية الموالية.
بدون هذا النشاط الذهني لن يكون بمقدور الممارس ضبط الحركة وتأويل المعلومات واتخاذ القرارات. فالنشاط الذهني أساسي لنجاح الحركة. وخلاصة القول إن الجزء المرئي من الحركة وكذا إنجازها مرتبطين بالعمليات العقلية التي تسبقها أو ترافقها. ومن ثم يمكن اعتبار التعلم الحركي كمجموعة من الأنشطة الداخلية التي تؤدي إلى تغيير في الأداء.
خلاصة :
التعلم الحركي هو نشاط سيكولوجي يمكن الممارس من تغيير سلوكه الحركي بصفة مستديمة، إنه سيرورة تحدث أساسا في دماغ الممارس تمكنه من اكتساب القدرة على إنتاج أفعال حركية فعالة وصحيحة أكثر فأكثر.
التعلم فعل غير ملحوظ مباشرة : بما أن التعلم يحدث بداخل الفرد، تتعذر ملاحظته مباشرة في كل الأحوال. كما أن السيرورات التي ترافقه والتي تمكنه من التحقق توجد بداخل الجهاز العصبي المركزي (الدماغ). إذن ما يمكن ملاحظته هو أداء أو مجموعة من الأداءات لممارس ما، قد تفضي بعد فترة معينة إلى تحول أو تقدم في الإنجاز. وبالتالي فإن الأداء هو مقياس التعلم ونتيجته النهائية، وغيابه لا يعني بتاتا إقصاء التعلم أو غيابه لأن الأداء مرتبط بمجموعة من العوامل كالتحفز والتعب والانفعال...
التعلم الحركي ثابت نسبيا ودائم. لأنه يؤدي إلى اكتساب قدرات. والقدرة "Capacité" هي الحالات النسبية الثابتة التي تجعل الممارس قادرا على إنجاز مجموعة من الأداءات. إذن فمصطلح قدرة يعني هذه الحالة الدائمة نسبيا بداخل الجهاز العصبي المركزي. ويعتبر هدف المربي الأساس هو إنماء وإغناء هذه القدرة.
بقيت الإشارة إلى أن التيقن من حدوث تعلم حركي فعلي لا يتم إلا بتوفر مجموعة من الشروط: أن يحصل تغير في الأداءات الحركية للممارس وأن يكون هذا التغيير مستقرا نسبيا.
أن يكون هذا التغيير وهذا التحسن في الأداء نتاجا لتعديل في السيرورات الذهنية والأنشطة السيكولوجية التي تسبق أو ترافق الحركة.